شكؤا متابعينا الكرام لمتابعتكم خبر عن الحرب التجارية بين أميركا والصين.. من سيفوز بالجولة الثانية؟
تُقرّ القيادة الصينية، وهو ما أؤيده تماماً، بأنّ لا منتصر في حربٍ تجارية، فمثل هذا الصراع لا يلبث أن يُلحق الضرر بالمصدّرين الصينيين، ويزيد من أوجاع الاقتصاد الذي أثقل كاهله ركود سوق العقارات، وتراجع الإنفاق الاستهلاكي الداخلي في الصين خلال العامين الماضيين.غير أنّ فاتورة الحرب التجارية لن يدفعها الاقتصاد الصيني وحده، بل ستُرهق جيوب المستهلكين الأميركيين، وتُربك حسابات المصنعين الذين، وإن أنتجوا محليّاً، لا غنى لهم عن قطع الغيار المستوردة من الصين.
ويا للمفارقة! إذ إنّ فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية مشدّدة على سلع زهيدة القيمة كالأحذية والملابس، مع تعليقها —ولو مؤقتاً— على منتجات إلكترونية، قد يدفع الصين، برأيي، إلى مضاعفة تركيزها على التصنيع المتقدّم عالي التقنية، ما قد يضعها في طليعة السباق التكنولوجي العالمي.
ما المنطق الذي يستند إليه ترامب في إشعال فتيل الحرب التجارية بفرضه الرسوم الجمركية؟الرسوم الجمركية هي السلاح المفضّل في ترسانة ترامب، لسببين رئيسين: أولاً، لأنه يؤمن منذ عقود بأنّ العالم برمّته مستعد لدفع أي ثمن لقاء الدخول إلى السوق الأميركية، وثانياً، وربما الأهم، لأنّ يده طليقة —ما لم يُقيده الكونغرس— في فرض الرسوم أو رفعها، متى شاء، وعلى من شاء، ولأي سبب.وما لا شك فيه أنّ ترامب يُفتن بهذه السلطة المطلقة، ويستمتع باستخدامها لفرض الهيمنة وإخضاع الخصوم، فالدول التي رضخت نالت الإعفاء، أما من تجرأت على التحدي، فقد نزل عليها سيف التعريفات مشهراً.ترامب والصين.. استنزاف طويل وفرص ضائعةبات جلياً اليوم أنّ معظم دول العالم تدرك أنّ الذرائع الاقتصادية التي يسوّقها مستشارو ترامب ليست سوى ستار دخاني، فطالما بقي ترامب في السلطة، فإنّ الثقة بواشنطن تبقى محلّ شك، ولن يغامر أيّ زعيم عاقل بمرافقته في حربه المفتوحة ضد الصين.السبب الثاني لفشل حرب ترامب التجارية على الصين يكمن في انكشاف محدودية نفوذه الحقيقي، فالتراجع المُذلّ عن الرسوم “المتبادلة” في الثاني من أبريل الجاري كشف أن من يُملي شروط اللعبة ليس البيت الأبيض، بل سوق السندات، وحين اهتزّت الأسواق، اضطر ترامب إلى التراجع سريعاً، ليتّضح أن سلاح الرسوم الجمركية أقل وقعاً مما ظنّ.بهذا التراجع، خسر ترامب أوراق ضغطه في المفاوضات؛ إذ بات من الصعب عليه رفع الرسوم مجدداً دون إثارة غضب الأسواق المالية، ولذا سيُغري هذا الضعف معظم قادة العالم بعقد صفقات سريعة تُخفّض فيها الرسوم مقابل تنازلات رمزية ومظاهر احترام، دون المساس بعلاقاتهم التجارية مع الصين.أما السبب الثالث لفشل الحرب، فهو الصين نفسها، ورغم أنها تبدو في الظاهر الطرف الأضعف —بعدما حُرمت من سوق أميركية ضخمة وباتت تبدو دبلوماسياً معزولة— فإنها تستعد بصبر وهدوء لحرب استنزاف طويلة الأمد، فالصين تملك ما لا تملكه إدارة ترامب؛ الوقت، وذاك وحده كفيل بقلب موازين القوة في هذه المواجهة.الصين تُعيد الحسابات.. استراتيجية جديدة لتحفيز الاستهلاك وتجاوز الحواجزقد تفقد الصين الطلب على صادراتها إلى الولايات المتحدة، لكن سرعان ما تعوّض ذلك بتعزيز الطلب المحلي الذي كان مقيّداً بسبب سياسة نقدية متشددة وهوس الدولة بالاستثمار في قطاع التصنيع، لكن مع تغيير مسار الرئيس شي جين بينغ، باتت الصين جادة في تحفيز الاستهلاك المحلي.أضف إلى ذلك أن الصين، بعد خمس سنوات من ضوابط التصدير، باتت قادرة على التصنيع دون الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية، ورغم بعض المخاوف في الأسواق، فإن الصين قادرة على الاستقرار دون انهيار كبير في قيمة عملتها، خصوصاً مع تخفيف ضوابطها على الرنمينبي، ما يتيح لها امتصاص ضغط الرسوم الجمركية، وربما يسمح لها بتخفيض قيمته بنسبة 1% أو 2%، لكن ما سيعزز من استقرارها هو تحفيز الطلب المحلي، الذي سيجلب تدفقات رأسمالية جديدة ويدعم من استقرار الرنمينبي.في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة تضخماً مرتفعاً بسبب ضريبة السلع الاستهلاكية الصينية، فإنها تعتمد على المدخلات الصناعية الصينية بثلاثة أضعاف ما تعتمد عليه الصين من المكونات الأميركية، هذا الارتفاع في أسعار المدخلات الصناعية يؤثر سلباً على الاستثمار التجاري في أميركا.بينما تواجه الصين مشكلة في الطلب، وهي قادرة على معالجتها عبر سياسات اقتصادية كلية أكثر فعالية، فإن الولايات المتحدة تجد نفسها في مواجهة صدمة عرض وركود تضخمي محتمل، لا يمكن حلّه إلا بتغيير جذري في النظام الاقتصادي والسياسة المالية.إذا كان هدف ترامب من هذه الحرب التجارية هو فرض القوة الأميركية على الصين، فإن النتيجة ستكون خيبة أمل كبيرة له ولإدارته، بينما سيدفع الثمن الأكبر المستهلك والاقتصاد الأميركي وربما العالم. تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.
< a href="https://news.twaslnews.com/cnn-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9/205030/">