شكؤا متابعينا الكرام لمتابعتكم خبر عن الغطرسة الامريكية وتبعاتها على الاقتصاد العالمي و المحلي
قد يعتقد البعض ان قيام أمريكا بزيادة قيمة الرسوم الجمركية علي الواردات الصينية هي محض صدفة او قرار احادي من جانب الرئيس دونالد ترامب، فهذا اعتقاد خاطئ لأن الاقتصاد الأمريكي اكبر اقتصادات العالم يتم إدارته من قبل المؤسسات الامريكية، لكن حقيقة الامر ان الرئيس ترامب هو اول رئيس امريكي يقوم باتخاذ مثل هذه الإجراءات المتشددة تجاه المارد الصيني، حيث تعود تلك الإجراءات الي الولاية الاولي من حكم الرئيس ترامب حيث تم آنذاك زيادات الرسوم الجمركية علي الواردات الصينية و ابقي خليفته الرئيس جو بايدن علي تلك الرسوم بل و قام أيضا بزيادتها بنسب متفاوتة لكن دون مبالغة، اذا المؤسسة الامريكية تسير علي نفس النهج بغض النظر عن من يشغل المنصب الرئاسي.
دعونا نسأل لماذا تم نزع فتيل حرب تجارية واقتصادية غير مسبوقة على المارد الصيني؟
تكمن الإجابة في تعظيم حجم الاقتصاد الصيني والاقتراب من تجاوز حجم الاقتصاد الأمريكي، حيث ينمو الاقتصاد الصيني سنويا بمعدل ضعف نسبة النمو للاقتصاد الأمريكي، وفي هذا الشأن سجلت معدلات النمو لإجمالي الناتج المحلي الصيني لعام 2024 حوالي 5% مسجلا18.9 تريليون دولار بينما سجلت معدلات النمو لإجمالي الناتج المحلي الأمريكي لنفس العام حوالي 2.8% ليسجل حوالي 29.2 تريليون دولار “وفقا تقارير صندوق النقد الدولي”.
لقد عزز الاقتصاد الصيني مكانته وأصبح لاعبا أساسيا ومحركا استراتيجيا لسلاسل التوريد العالمية، وأقدمت الصين على توطيد علاقتها عن طريق عقد تحالفات وشراكات تجارية مع دول هامة مثل تايلاند والهندوماليزيا واندونيسيا وفيتنام وروسيا والاتحاد الأوروبي والاهتمام بدول القرن الافريقي مما اعتبرته أمريكا تهديدا مباشر لنظام القطب الأوحد.
وفقا لبيانات البنك الدولي، بلغ حجم الميزان التجاري بين الصين وأمريكالعام 2024 حوالي 585 مليار دولار، حيث تساهم الصادرات الصينية الي الولايات المتحدة بحوالي 440 مليار دولار بينما تمثل الصادرات الأمريكية للصين حوالي 145 مليار دولار، مما يشير لوجود عجز في الميزان التجاري لأمريكا بحوالي 295 مليار دولار أي ما يوازي 1% من اجمالي الناتج المحلي الأمريكي. أبرز الصادرات الصينية الي أمريكا تتمثل في الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وبطاريات الليثيوم، وبعض المعادن والمواد الأساسية للصناعات التكنولوجية والفضائية والطاقة المتجددة، بينما نجد ان أبرز الصادرات الأميركية إلى الصين تضمن الغاز الطبيعي والبترول وفول الصويا والآلات المستخدمة في تصنيع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات.
تجدر الإشارة الي ان زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية التي فرضها ترامب في ولايته الاولي وانتهجها من بعدة جو بايدن قد ساهمت في خفض حصة السلع التي تستوردها الولايات المتحدة من الصين من 21 % من إجمالي الواردات الأمريكية عام 2016 إلى 13% في عام 2024 وبالتالي، انخفض اعتماد امريكا على الصين في التجارة خلال العقد الماضي وهذا ما يسعي الية الرئيس ترامب في الوقت الحالي نحو مزيد من خفض الواردات الصينية من خلال زيادات مهولة لرسوم الجمارك بلغت 145%. الجدير بالذكرأن الفائض التجاري الكبيروالمستمر لصالح الصين دليل علي اقتصاد كثير الادخار وقليلالاستهلاك، في حين يُظهر العجز التجاري بأمريكا اقتصادا اقل إنفاقا وأكثر استهلاكا ومثقل بالاقتراض.
من سيربح الحرب؟
أن انهيار التجارة بين الولايات المتحدة والصين، سيؤدي لعواقب وخيمة وقد ترتفع أسعار السلع بشكل ملحوظ مما يعني مزيد من التضخم الذي سيؤثر سلبا على مستوي معيشة المواطن الامريكي ويضر بثقة المستهلكين، ما قد يدفع الاقتصاد الأمريكي نحو الركود.
علي الصعيد الاخر، قامت الصين بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الامريكية بنسبة بلغت 125% كرد فعل على الغطرسة الامريكية، بينما إذا طالت الفترة الزمنية على هذا المنوال، فستتكبد الشركات الصينية خسائر كبيرة وقد ترتفع معدلات البطالة، وقد لا تستطيع الصين تبديل مسار صادرتها لأمريكا صوب دول اخري نتيجة نفس القيود المفروضة على الدول الشريكة تجاريا و اقتصاديا مع الصين. ومن جانبه قام البنك المركزي الصيني بتشجيع الصادرات عن طريق تخفيف قبضته على اليوان ليتراجع لأدني مستويات منذ سبتمبر 2023 ليسجل 7.34 مقابل الدولار.
عالميا:
تبلغ نسبة مساهمه الاقتصاد الأمريكي ونظيرة الصيني لإجماليالاقتصاد العالمي حوالي 26% و18% على الترتيب بإجمالي نسبة 44%مما يشير الي ان الاقتصاد العالمي سيتأثر بصورة كبيرة للغاية اذا ما استمرت تلك الحرب التجارية.
وامتدت الغطرسة الامريكية لتشمل زيادة الرسوم الجمركية على واردات الكثير من دول العالم بنسب تتراوح بين 10% ال 45% مما يهدد اقتصادات الدول ذات حجم صادرات كبير مع أمريكا، فتراجعات بحدة مؤشرات أسواق الأسهم والسندات في الكثير من الدول عالميا و ارتفع الذهب لمؤشرات غير مسبوقة و أيضا انخفض سعر البترول نتيجة توقعات بخفض الطلب.
ان ما يشهده الاقتصاد العالمي حاليا هو امر غير مألوف و لم يتناوله علم الاقتصاد من قبل، فانهيار حركة التجارة العالمية هو فرضية كانت بعيدة عن الاذهان لكنها قاب قوسين او ادني لتتحول الي واقع، فالمشهد حاليا مليء بالضبابية وغموض بالغ التعقيد وواهم من يتنبأ بالمستجدات العالمية، لان محاولة الوصول لاستنتاجات او تنبؤات مستقبلية يعتمد علي سيناريوهات حدثت من قبل، و هذا ما لم يشهده الاقتصاد المعاصر.
محليا:
الاقتصاد المحلي ليس بمنأى عن تسونامي المتغيرات العالمية وعلينااتخاذ كافة التدابير للتحوط من المخاطر المستقبلية و اتباع سياسات اقتصادية اكثر مرونة للتفاعل مع الأوضاع العالمية, فالدولار عالميا قد يشهد مزيد من التراجعات لكن علي الصعيد المحلي سيرتبط سعر الصرف ارتباط مباشر بحركة رؤوس الأموال الأجنبية و أدوات الدين و الأموال الساخنة, فاذ ما تراجعت تلك التدفقات النقدية و اتجهت للخارج فبالتأكيد قد نشهد تراجع للعملة المحلية امام العملات الأجنبية, واذا استمر انخفاض سعر البترول عالميا بالإضافة لتراجع حركة التجارة العالمية قد نشهد حالة من ركود او تباطؤ الاقتصاد العالمي مما قد يؤثر سلبا علي إيرادات قناة السويس و السياحة و الصادرات المصرية.
مما لا شك فيه ان تلك العوامل المستجدة حديثا بصورة طارئة يجب ان تؤخذ في الحسبان وبالطبع قد تلقي بظلالها علي السياسة النقدية،فبالرغم من تسجيل معدلات التضخم بمصر خلال شهر مارس 2025 نسبة 13.6% علي أساس سنوي الا ان الزيادة الأخيرة لأسعار المحروقات قد يدفع لمزيد من التضخم في الفترة المقبلة، فترقب ارتفاع التضخم و مراقبة سعر الصرف قد يدفع صانع السياسة النقدية للتحوط و عدم المساس بأسعار الفائدة لحين استقرار الأوضاع الاقتصادية عالميا.
< a href="https://news.twaslnews.com/%D8%A8%D9%86%D9%83%D9%8A/92303/">