شكؤا متابعينا الكرام لمتابعتكم خبر عن أزمة ضمير.. لا أزمة أسعار
في خضم الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وبينما يصارع المواطن البسيط يوميًا الظروف القاسية من حوله، لتلبية أبسط متطلبات الحياة، تتكرر مشاهد الانفلات السعري بلا رحمة، ويشتد وطأه الجشع في كل زاوية من الأسواق، ومع كل زيادة محدودة في الأجور أو المعاشات، لا تتجاوز غالبا نسبة 10 إلى 15%، نجد من يهرول من أصحاب السلع لنهش جيوب المواطنين دون رحمة أو ضمير، فترتفع الأسعار بنسبة قد تصل إلى 40% أو أكثر، بلا مبرر سوى غياب الضمير، ودفن مشاعر الإنسانية في مقبرة الطمع.
المواطن وحده يدفع الثمن
في معركة غير متكافئة، يقف المواطن وحيدًا أمام موجات الغلاء العاتية، لم يعد الغلاء ظرفيًا أو موسميًا، بل أصبح واقعًا دائمًا يتفاقم كل يوم، وتسعير عشوائي، غياب للرقابة، تحكم غير مبرر من بعض التجار الذين باتوا يتعاملون مع السوق كمزرعة خاصة، يتحكمون في أسعارها كيفما شاءوا، بلا حسيب أو رقيب.
ليس من المقبول أن تُقابل كل زيادة حكومية تهدف لتحسين حياة المواطن، برد فعل غير إنساني من بعض التجار والموردين الذين يعتقدون أن الجيوب يجب أن تُفرغ كلما امتلأت قليلًا، فالمعادلة لا تُحتمل: دخل محدود في مقابل أسعار تتسابق في الصعود بلا ضوابط.
غياب الرقابة وانتشار الفوضى
أين الجهات الرقابية من كل ما يحدث؟ أين قوانين حماية المستهلك وتحديد هوامش الربح ومنع الاحتكار؟ ما الجدوى من التشريعات إن لم تُفعل، ومن القوانين إن لم تُطبق؟ المواطن لا يحتاج إلى خطط نظرية على الورق، بل إلى رقابة حقيقية في الميدان، إلى يد قوية تضرب على يد كل من تسول له نفسه استغلال الأزمات للربح غير المشروع.
لقد تحولت بعض الأسواق إلى ساحات فوضى مفتوحة، حيث لا تسعيرة تُحترم، ولا معايير تُطبق، وسط صمت غريب من الجهات المعنية، وكأن الأمر لا يعني أحدًا سوى من أُنهكت قلوبهم من اللهاث وراء لقمة العيش.
الضمير الغائب أصل الداء
المشكلة أعمق من مجرد أرقام ونسب ومؤشرات اقتصادية، فالأزمة الحقيقية التي نعانيها هي أزمة ضمير.. حين يغيب الوازع الأخلاقي، لا قوانين تردع ولا تشريعات تُصلح، لقد تآكلت منظومة القيم، واحتل الجشع مكان الرحمة، والخداع مكان الأمانة، فأصبح الغش شطارة، والربح المبالغ فيه فُرصة، والاحتيال مجرد ذكاء تجاري.
في ظل هذا الواقع، لا عجب أن تغيب البركة، وأن تكثر الأمراض والجرائم، فالمجتمع الذي يتناسى القيم، يتحول إلى غابة لا مكان فيها للضعفاء.
الحل يبدأ من الضمير
نحن بحاجة إلى ما هو أبعد من قرارات حكومية ومبادرات اقتصادية، نحن بحاجة إلى نهضة أخلاقية، إلى حملة وطنية تستنهض الضمير، وتُعيد الاعتبار للقيم التي كانت يومًا حجر الأساس في تعاملاتنا، وعلى الإعلام، والمدارس، والمؤسسات الدينية، والمجتمع المدني، أن يتكاتفوا في ترسيخ مفاهيم الأمانة والتراحم والانضباط السلوكي.
وعلى الأجهزة التنفيذية أن تتعامل بحسم مع كل من يعبث بقوت الناس، فلا مجال للمجاملات، ولا مكان للرحمة مع من لا يرحم.
لسنا في أزمة أسعار بقدر ما نحن في أزمة ضمير، وإذا كان ضبط السوق يحتاج إلى قوانين ورقابة، فإن ضبط الضمير يحتاج إلى تربية وإيمان وإحساس بالمسؤولية، وحين يعود الضمير، ستعود الرحمة، وسينضبط السوق، وستُشفى القلوب التي أنهكها الجوع والقهر واليأس.
< a href="https://news.twaslnews.com/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-24/115500/">